التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نصفها المفقود

أحلام البنات بين الحصان الأبيض والمرسيدس الأسود

 تبحث عنه . . ولا تجده
 ويبحث عنها . . فلا يجدها 
ويبقى كل منهما ضالة الآخر المنشودة 
ويستمر البحث عن النصف الآخر ليظل الهم المسيطر على تفكير كل منهما دون أن يمسك احدهما بالخيط السحري الذي يربطه بذلك الذي يحسه ولا يراه إلا طيفا يغريه فعلى مواصلة البحث والتفتيش . 
انهما يشبهان سفينة بلا ربان ، تمخر البحر وتصادم أمواجه المتلاطمة لا تعلم أين اتجاهها . . ولا أين مرساها . تجري بها الرياح حيث تشاء . 
قد تقترب من المرسي الذي ينتظر قدومها بكل حرارة ولكن سرعان ما تستسلم لتيار مضاد لمسيرها فيرجعها من حيث أتت .
 وتظل هي في الانتظار . . وهو في حيرة الاختيار 
لا يعلم أين هي . . ولا تعلم أين هو .
ويتأمل كل منهما قصة نزول آدم وحواء إلى الأرض أين نزل كل منهما . . وكيف التقيا؟
 ولكن أدم وحواء كانا في الجنة ثم اخرجا منها ، وهم على موعد لقاء في الأرض فكافحا حتى توجا كفاحهما بلقاء كان ثمرته عمارة الأرض . 
أما هم فلم يسبق لهم رؤية بعضهم من قبل . 
كل ما في الأمر ، انها تشكلت ملامح شخصية كل منهما في مخيلة الأخر حتى لو ان الله حباهما موهبة الفن الرسم كل منهما صاحبه كما يراه في أفق خياله ولاحتفظا باقي تفاصيل الصورة في قرارة النفس إلى حين يجدها وتجده . 
وتمضي الحياة وهما يركضان في ممراتها المعتمة علهما يلتقيان على أحد تقاطعاتها وحينها تتحقق الأمنية التي تسكن افئدتهم الخاوية مما يريدون : 

ليت الشوارع تجميع ثنين صدفة
ما دام شباك المواعيد مجفي « ١ » 

ورب صدفة خير من ألف ميعاد !
 تتحسس قلبها وينبأها احساسها بأنه قريب ولكنه قد لا يستجيب. 
انها لم تنسى بعد حكاية تلك الفتاة البدوية التي تقمص فارس قبيلتها المشهور فارس احلامها فعشقته وحاولت الاندفاع إليه بعدما تحققت منه ، وأنه هو الذي يقلق مضجعها كل ليلة على حصانه الأبيض فلا يتركها تنام حتي تحتضنه طيفا يداعب خيالها الشفاف . 
ولكنها دفنت حبه في أعماق قلبها خجلاً وحياء دون أن تخبر أقرب المقربات إليها بشعورها الدفين تاركة للأقدار تحقيق رغبتها السامية وسارت الأيام وهي ترفض كل من يطلب القرب منها وتتحجج لأهلها بحجج واهية كلما عرضوا عليها خاطب يمني نفسه بالفوز بها أملاً في أن يختارها من تنتظره دون علمه . ولكنها الأقدار شاءت آن يقتل فارسها في إحدى غاراته التي كانت تقوده إليها شجاعته  وفروسيته الفذة ، فتناقلت الأنباء خبر مصرعه ونعت القبيلة  فارسها الذي غدرت به الأيام ، وكانت مع بعض صويحبائها تجلب الماء من البئر التي تقطن عليها قبيلتها ، فسمعت الناعي مع من سمع وخرت . من هول الصدمة مغمياً عليها ثم سقطت في البئر التي تقف على حافتها وفي قاعها لفظت أنفاسها الأخيرة وسلمت الروح لبارئها وفاحت رائحة  حبها من البئر حتى شمّتها القبيلة كلها واصبحت قصتها عطر حكايا العشاق  وبعد رحيل الاثنين شاع خبر بأنه يحدث نفسه بها مثلما كانت تحدث نفسها به . 
وهكذا تعلقت الأرواح بعضها دون أن يعلم بها وتعلم به والأرواح كما جاء في الأثر "جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف ، وما تنافر منها اختلف » 
لكنهما لم يتسنى لهما البوح بما في النفوس ، ولو قدر لتلك الفتاة التي فاضت روحها غرقاً في الحي أن تعود للحياة مرة أخرى وتكتشف الحقيقة التي غابت عنها لما قالت أكثر من : 

آه . . لو تدري بشوفك كيف أعاني 
               ليه عن رغبة بعضنا ما درينا ؟ ( ۲ ) 


لكن لمن توجه هذا السؤال المعاتب ؟ 
له . . أو لخجلها الذي جنى بالصمت عليها أو للزمن وأهله الذين لم يحققوا حلمها الغريق . 
لقد توحدت الاتجاهات واتفقت الرغبات وأوقف التنفيذ على مرأى ومسمع من "الحلم" الذي يصرخ بداخل كل منهما . 
لكن « هي » لا تريده مشهوراً كما في تلك الأسطورة الشعبية المأسوية لأنها تعرف ما قد تعني الشهرة في مثل ذلك الموقف ، فغالباً ما يتقمص الشخص المشهور الشخصية المتشكلة في خيالها ، لكنه ليس هو في حقيقته انه النموذج أو القالب الذي يتشكل عليه ما تحسه في أعماق قلبها ، من أثر إعجابها به فيتخيل لها انه هو . ويصبح جواباً مؤقتاً للسؤال الذي يقول :

في أعماق القلب 
يوجد شيئا غريب
 أرى ظلال الضوء
 تخفي جزء سريا مني
 يختبئ من حياتي
 ويعيش في الظلام 
وأرى بعين الخيال
 إنساناً لا أعرفه
 يفهم أفكاري
 ويلبي لي احتياجاتي
 أنه "لص القلوب" 
 سرق مني قلبي 
 ومضى بعيداً 
 يا إلهي
 انه أفضل من حلم 
 واجمل من واقع "  (٣)

.  تشوح بخيالها بعيداً عن هذا السؤال الملح وتتجاوزه لما بعده وترخي جفنيها حد تشابك الأهداب . 
ويترائ لها أنه قادم ، على حصانه الأبيض ، بملامحه التي رسمتها وبصفاته التي تصورتها وبسرعة البرق يخطفها ويهرب بها إلى الجزيرة الوردية التي تحيط بها البحار من كل جانب فلا يصل إليها من لا تريده شريكاً لها . ولكنها تخشى ركوب الخيل ، ولايزال موقف سقوطها المؤلم منه في طفولتها الغضة عالقاً في ذاكرتها . 
إذن لو جاءها على حصان فلن تركب ! لأنها حتماً سوف تسقط . ولكن لماذا لا يأتيها على « مرسيدس أسود »
 إنه أفضل بكثير من حصان أبيض ، على أقل تقدير يوجد به حزام أمان ! ومادامت الأيام أحلام ، فلا صعوبة ، في إبدال الحصان بوسيلة نقل أخرى تليق بزمنها الذي تعيشه وبنعومتها التي لا تحتمل ركوب حصانا جامح .

 « يقفر هنا على شاشة خيالها عرض تراجيدي لحادث الأميرة الحسناء ديانا ويستقر الشريط على منظر السيارة
 « الشبح الأسود » بعد أن تحول إلى كومة من حديد في النفق الباريسي المظلم والأميرة تئن في داخله كأنها تحتضر . » 
- وتصرخ الحالمة : لا ، لا ، لا أريد مثل شبح ديانا .

 ثم تفيق من غفوتها مرعوبة وتحاول ان تعود إلى واقعها الذي دفعها إلى عالم الخيال بحرمانه لها من الحياة التي يجب ان تتمتع بها كأي فتاة تمتلك مقومات الحياة السعيدة ، وتبحث حولها عن أي شيء يسليها ويبعدها من ذلك الحصان وفارسه الذي يداهمها متى ما سنحت له الفرصة .
 وتخرج من تحت مخدة سريرها كتاب لجبران خليل جبران لم تكمل قراءته . . وتقرأ : 
"وفي تلك الدقيقة ظهرت من وراء أشجار الصفصاف صبية تجر أذيالها على الأعشاب ، ووقفت بجانب الفتى النائم . . ووضعت يدها الحريرية على رأسه فنظر إليها نظرة نائم ايقظه شعاع الشمس ، فرأى ابنة حاكم المدينة واقفة حذاءه فجثا على ركبتيه  ، ولما أراد الكلام ارتجٌ عليه فنابت عيناه الطافحتان بالدمع على لسانه ثم عانقته الصبية وقبلت عينيه راشفة المدامع الساخنة وقالت بصوت ألطف من نغمة الناي : قد رأيتك يا حبيبي في أحلامي ، ونظرت وجهك في وحدتي وانقطاعي فأنت رفيق نفسي الذي فقدته ونصفي الجميل الذي انفصلت عنه عندما حكم علي بالمجيء إلى هذا العالم ، قد جئتك سرا يا حبيبي لألتقيك وها أنت الآن بين ذراعي فلا تجزع ، قد تركت مجد والدي لاتبعك إلى أقاصي الأرض وأشرب معك كأس الحياة والموت ، قم يا حبيبي فنذهب إلى البرية البعيدة عن الانسان . ومشى الحبيبان بين الأشجار تخفيهما ستائر الليل . . » . 
ومشت هي - لا شعورياً . فلم ترى أمامها إلا صورتها في المرآة ووقفت أمامها . كأنها تستجديها شيئاً لم تستطع حياتها المترفة منحه لها انه ضرباً من المستحيل فالمرآة  لا تستطيع أن تمنحها ما تريده انها تعكس ما امامها فقط ، وليس امامها إلا هي لا أحد معها وعليها إذن أن تبحث عنه في أماكن أخرى . تدير ظهرها مللاً ويأساً وتمسك بزجاجة  العطر القريبة منها وترشقها بقوة في وجهها المنعكس أمامها على سطح المرآة  ، ومعها تتشتت صورتها ، وترى من بين أشتات الصورة خطوط صغيرة كأنها خيوط بيت العنكبوت وصورتها خلفه . 
- من ينزع بيت العنكبوت الذي يجثوا عليها ؟
 - من يجمع أشتاتها المتناثرة أمامها ؟ 
لا أحد سواه. 
- وأينه هو؟ 
- انه في سماء الخيال يكتب لها العذر عما فعلته بمرآتها حينما صدقت معها :

اعذريني 
إن أنا قصرت في التعبير عما يعتريني 
فأنا أجهل في أي نهار سوف أعشق 
ومتى يضربني البرق ، وفي أي البحار سوف أغرق 
وعلى أي شفاة سوف أرسو 
آه . . لو أعرف ما يحدث في داخل قلبي 
إن أمر الحب يا سيدتي من علم ربي 
فاتركي الأمر لتقدير السما 
ربما ندخل في مملكة العشق قريباً ربما . .(٤)

-------
١-الأمير بدر بن عبدالمحسن
٢-الأمير  سعود بن بندر
٣-أغنية اجنبية ؟
٤- نزار قباني

*النص من مجموعتي اللغة الثالثة الصادر عام ٢٠٠٠م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مارد الإبداع

في غفوة روحية  اطل على مشارف أعماقه وسبر أغوارها البعيدة . وأغراه الفضول على استجلاء غموضها ، فأوغل في النزول وهو يتوجس خيفة مما قد يحتوية قاعها  . ثم استمر في الولوج حذراً حتى قارب على بلوغ قاعها المجوف ، وقبل أن تلامس قدميه ارضيتها القي بنظرة على موضع نزوله فرأى ما طمئنه على صلابة الأرضية . فحط عليها فإذا هي أرض حريرية الملمس . . ثم تساوى قائماً وأرخى أعصابه حتى هدئ زفيره وشهيقه ، وأخذ يتلفت يميناً وشمالاً ليتأكد من خلو المكان من غيره ثم خطى أولى خطواته باتجاهات عشوائية كأنه طفل يتعلم المشي ويحاول ان يكتشف خبايا المكان بسرعة ويعود من حيث أتي ، وبينما هو كذلك إذ لاح له من بعد ضوئاً يتلألأ من ألوان عدة . . فمشي باتجاهه واقترب منه بخطوات مرتجفة فإذا هو قمقم جميل المظهر . . خافي الجوهر فالتقطه فرحاً به  واخذ يملئ النظر به ويتلقفه بين يديه مسروراً كأنه وجد ما يكافئ به همته واستمر في تجواله في دهاليز القاع عله يجد أحس منه أو مثله فلم يجد ما يصرف نظره عنه . . ثم استعد للعودة إلى مكان هبوطه . وقبل أن يعرج عائداً الى عالم اليقظة حدثته نفسه بما في هذا القمقم الجميل . . لابد أنه كنز ثمين ! 

قصص من الصحافة

عنوانها جمال خاشقجي "بيني وبين الصحافة قصص ومواقف لا تنسى نوافذ مفتوحة وأبواب مؤصدة  " اولها مع الشاعر طلال الرشيد صاحب الفواصل الجميلة حينما نشر فريقه الصحفي مقالة لي بذكر أسمي الأول فقط "هزاع" وتبين بعد النشر ان الخطأ حقق إثارة ورغبوا ان استمر به واختلفنا وانصفني يرحمه الله بتنويه باسمي كاملاً بالعدد الذي بعده ثم توقف المسار بعد هذا الأختلاف. وليس آخرها إيميل من رئيس تحرير صحيفة الوطن جمال خاشقجي رداً منه يرحمه الله على موضوع بيننا لم يكتمل ، بعد إطلاعه على نماذج من مقالاتي قائلا؛  اهلاً بك "ربما تكون صحفي اختفى بين اوراق العمل الحكومي" وكنت وقتها مديراً في منطقة عسير  ومنها أكتشفت ان هناك معايير تنبع من رغبات وأنتماءات تشبه المتعارف عليها في الصحافة الرياضية ان الكاتب لابد ان يكون له ميول للنادي المفضل لخط الصحيفة.  ولم تمضي أشهر حتى التحقت بصحيفة شمس كاتباً اسبوعياً وانتقلت عملياً الى منطقة جازان وقد واجهت بعض التحفظات الاجتهادية على ما اكتب من ادارتي التي تكبح احياناً إثارة قلمي غير ان الصحيفة غربت وهي في أوج توهجها. وبقيت كلمة خاشقجي تضغط ع

وداعا حبيبتي كثيرة الكركرة

منذ سنين . .  وأنا أحاول . . وأحاول . . وأحاول إلى أن نجحت في إحدى محاولاتي وتخلصت ممن تعاطيت الحب معها مره عابثاً فأسرتني بحبها حتى أدمنته وجري في عروقي مجرى الدم .  -  بين العقل والقلب خصام دائم ينتهي من حيث يبتدئ ليظل أخيراً كمن يدور في حلقة مفرغة تشكل مداراً لحب أحدهما يرفضه . والآخر يخفق له . والميدان نفس لا تطيق الخصام فكيف بها وقد أصبحت ميداناً له . أما أنا فقد وقفت أمام ما أرى طوال السنين الماضية موقف العاجز عن حسم الخلاف بين عقله وقلبه .  وهكذا يبقى الخصام الذي يصل أحياناً حد التصادم قائماً لا يكل ولا يمل . . ولا يأس معه ولا أمل . وكنت أردد دائماً : أعظم الجهاد جهاد النفس وأعظم الانتصار . . الانتصار عليها . فتحتج النفس وترفع صوتها : ما ذنبي وما خطيئتي إلا يكفيني مصيبة أن كنت ميداناً لمجانينك المتعنترين لا يتنازل احدهما عن الآخر أو ينتصر فأرتاح وإلى متى ؟ أظل على هذا القلق الذي لا يطاق . .  أبعد كل ذلك أجدك تعظم جهادي والانتصار علي ؟  أرد : لا يا نفسي أنا لا أقصدك بذاتك أنا اقصد أولئك الذين أقلقوك . . وأرهقوك ونقلوا همك إلي ولكن في النهاية هم جزء منك ومما تحتوين

ما هذا الحب ؟

الأبل من المخلوقات التي امرنا الله ان نتفكر بها فهي مدهشة من كل ابعاد تكوينها بدناً وشعوراً وتملك جاذبية لا متناهية تحن لصاحبها ولمواطن رعيها وتشتاق وتتألم وتسيل مدامعها ٠ سأروي قصة من مزرعتنا بعد ان استوطنتها أبلنا حيث تغيرت  وبلا مبالغة اصبح فيها حيوية لم نعهدها قبلها . ومن الطرائف ان العمالة اخذوا تدريجياً يهتمون بالأبل على حساب اهمال النخيل ولا حظنا ذلك وحاولنا ان نكافح هذا الأهتمام ونتابع معهم التركيز على مهامهم الزراعية ولكن دون جدوى وحينما نضغط عليهم صاروا يهتمون من الزرع ما فيه فائدة للأبل ! وخلال السنين تغيرت جنسيات العمالة ولم يتغير الميول الطاغي للأبل وكلما جاء عامل جديد حاولنا ان ندمجه في عمله الزراعي ثم سرعان ما يجرفه تيار الأبل كأنه نسناس بارد يتخلخل بين سموم يوم قائض . قبل مغيب كل يوم يروّح الراعي بالأبل فيهب عمالة المزرعة متسابقين على استقبالها وخدمتها في متعة وحبور تاركين اعمالهم الرئيسية  وحينما نعيش اللحظة نعذرهم ونتفاعل معهم معتبرين ذلك مكافأة نهاية عمل اليوم. - سبحان الله ، ما هذا السحر ؟

قصة حب بين اللهجة واللغة

اللغة الثالثة  ثمة خط فاصل بين ثقافة البيت ، وتثقيف المدرسة. البيت بثقافتة وآدابه الشعبية والمدرسة بأدبها العربي الفصيح. كأنهما . . جديان متناطحان والتلميذ الذي نشأ في بيئة شعبية ويدرس في مدرسة تقدم الأدب العربي يقف على هذ الخط الذي تتناحر القوتين من أجله. في أحد الصباحات المدرسية الندية سأل المعلم تلامذته الصغار :  من منكم يحفظ أنشودة ؟  فيقفز تلميذ في آخر الفصل ويرفع يده قائلاً :  - أنا . . يا استاذ  الأستاذ : تفضل . التلميذ بنشوة طفولية :  الذيب ما له قذلة هلهليه                يا حظ من له مرقد في حشى الذيب ! تعصف بالفصل موجه ضحك ، ، وتتعالى قهقهات الصغار . . ويحاول المعلم ان يمسك بعنان الحصة قبل أن تفلت من يدة ويأمرهم بالسكوت ، ليسأل التلميذ  - ما معنى هذا البيت ؟  التلاميذ وفي صدورهم يحتبس ما بقي من ضحك :  المعنى في بطن الشاعر . - يجيب التلميذ : هذا البيت يا أستاذ لطفل آخر من توفي من أولاد رجل عاشق  وكان أولاده أشد عشقاً منه ، لدرجة أنهم ماتوا شهداء في بحر الهوى ، فلما ولد له هذا الطفل الشاعر أوصى أمه على أن الا تريه النساء حتى لا يتعلق بهن ويلاق

الواتس قتل شاباً وطلق إمرأة

الواتسآب قتل شاباً وطلق إمرأة لا احب الانضمام كثيراً  الى مجموعات الواتسآب الا ما تقتضيه الضرورة ولكني اقرأ وأسمع عن قصص خلافات يتسببها بين الاشخاص واغلبها بسبب سوء فهم .  لأن الواتس يحمل حواراً كتابياً بطيئاً وجامداً  بدون مشاعر او لغة جسد بما فيها العيون لذلك دائماً يحتاج الى ايضاح وتصحيح او تبرير احياناً او اعتذار ، فضلاً على انه معرض للأخطاء المطبعية القاتلة. وبقدر ما هو نعمة في تيسيره التواصل بين الناس الا انه قد يتحول الى نقمة على المجتمع حينما يصبح مطية سهلة وسريعة لنشر الاكاذيب والاشاعات المحسنة ب "كما وصلني" ولان السبق ميزة اخبارية فقد يتسرع المرسل في نقل المحتوى قبل ان يصل من غيره  دون التحقق من صحته . لذلك فهو من اكثر الوسائل حاجة الى نشر ثقافة الوعي بكيفية التعامل من خلاله وتقنين استخدامه.  فهو مثل الحاجز الزجاجي برشة ماء او بخة عطر تغبش الرؤية وتضطرب المشاعر فتختلف اتجاهات الحوار وتتصادم النفوس او تنكسر الخواطر.   فبسببه ثار مراهق على قريبه وقتله لأنه حذفه من القروب وبسببه ايضاً طلق زوج زوجته على أثر غلطة مطبعية اساءت له امام قروب العائلة ولم ت

الناطق الشعبي .

حوار مع الامثال الشعبية .  المثل الشعبي اصغر ابناء الثقافة العامية والأكثر حضوراً والأقرب نطقاً على ألسنتنا من بقية افراد أسرته العريقة مثل الشعر او القصة او الحكاية فما ان يحاصرك موقف او تريد ان تحاصر موضوعاً او تحتج على أمر او تؤيده إلا وتستنجد به فيلبي نجدتك ويقفز من ذاكرتك على لسانك ناطقاً بكلام مفوّه يختصر عليك حسم القضية التي تشغلك.  وهكذا توارثنا شدّة أثره ورفعة قدرة حتى اصبح عند كثير من الناس من الكلام المسلم به الذي لا يقبل النقاش ولا يجب ان يختلف عليه اثنين وقد دفعني حبي له واعجابي به الى استنطاقه ومحاورته وقد كان لي ما أردت.  فقد كنت اتصفح ذات إطلاع مجلد تراثي يحوى في أعماق اوراقه الصفراء عالم الأمثال الشعبية ففتحته وتجولت به وشممت في داخله رائحة البيوت الطينية ورأيت بيوت الشعر منصوبة على ضفاف رياض الربيع واستمعت إلى أهازيج البحر وحكايات البحارة حيث أن لكل بيئة اجتماعية أمثالها الخاصة . إنه عالم مثير وممتع في آن أرجعني إلى الماضي البعيد بكافة تفاصيله غير أني لاحظت في هذا العالم أمثال بعضها يتعارض مع تعاليم الدين وبعضها تخلف عن الركب فتجاوزه الزمن وثالث كأنه ينطق بلغ