في خيمته وحده
لا أنيس له سوى ربابته وعدد من القصائد التي تزدحم بها ذاكرته ، يستدني القوس منه وهو يردد بيتاً للفيصل:
يا ربابه على المسحوب غني
من قصيدي بكى قوس الربابة
ويحتضنها بين يديه احتضان العاشق حبيبته بعد طول غياب ويناجيها كما لو انه يناجي تلك التي شحنت فؤاده بعواطفها الدافئه ثم رحلت في الفيافي والقفار دون ان يعرف لها عنوان في الصحاري.
يبدأ العزف على وترها الحساس بقصيدة ل ضيدان المريخي يقول
وان طرى في هاجسي قاف ن تفرد
فيها فيفيض نغمها عذوبة تستولي على ما بقي من عقله المشغول بتلك البعيدة ويتمنى لو انها مكان ربابته التي يحتضنها ويناجيها ويمضي الليل الطويل بسرمديته المعهودة وانفاسه المثقلة بهمومه ونغم الربابة الذي ضاق به فضاء الخيمة ينساب الى خارجة ليعانق آفاق رحبه تتسع شجى هذا النغم الذي نذر نفسه سفيراً لشعور نقي لعشاق البادية.
وان طرى في هاجسي قاف ن تفرد
قلت جر الصوت يا راعي الربابة
فيها فيفيض نغمها عذوبة تستولي على ما بقي من عقله المشغول بتلك البعيدة ويتمنى لو انها مكان ربابته التي يحتضنها ويناجيها ويمضي الليل الطويل بسرمديته المعهودة وانفاسه المثقلة بهمومه ونغم الربابة الذي ضاق به فضاء الخيمة ينساب الى خارجة ليعانق آفاق رحبه تتسع شجى هذا النغم الذي نذر نفسه سفيراً لشعور نقي لعشاق البادية.
انه الحنين الذي يصدر من أعماق الوجدان .
ان نغم الربابة ينساب بلطف الى هذه الاعماق الموغلة انسياب قطر الندى فتصدر هذا الحنين الذي يقرب البعيد ويستحضره شاخصاً امامه ويبعد شعور الفراق الذي استولى على وجدانه ولو للحظات التحليق في الخيال.
آلة حدباء بدائية تولد كل هذا الاحساس الذي يدفعه الى الاعجاب والعشق لهذا النغم الذي يتردد صداه على مسمعه كلما مرت به الذكرى التي تستحيل نسيانه فيعذرها رغم ان هناك من لا يعذره على اعجابه بها لانه جرد سر روعتها ليحولها الى جزئيات مفككة حينما خاطب احد المعجبات بها :
تراه جلد " حوير" ن فوق عودان
لم يتطرق مخترع الربابة بهذا البيت الا لهيئتها التركيبية البسيطة التي لا تستطيع ان تقدم ما يراد منها ان لم يكن هناك إحساس مرهف يوحد ابعادها الموسيقية في بوتقة موحدة تصدر هذا النغم الآخاذ ليمدد صوته بعد على الحانها الرائعة وهو بذلك اراد ان يخفف دهشة الفتاة من بساطة الصناعة وصعوبة العزف ليصرف اعجابها ودهشتها الى مصدرها الحقيقي وهو شعوره وحسه الفني.
ولكنه لم يعلم هذا الذي يقال انه اول من اخترع الربابة وعزف عليها ان انغام ربابته لم تملك اعجاب فتاة الصحراء وحسب بل تجاوز ذلك حدود التاريخ والجغرافيا والثقافة ليثير اعجاب الانجليز حينما صدحت انغامها في عقر دارهم " لندن " اثناء فعالية سعودية تراثية مضت.
ولم تعلم ايضا تلك الفتاة المغرمة بأنغام الربابة ان هناك اجيالاً قادمة امتداد لجيلها ستهجر مصدر اعجابها وتغرم بالاغاني الغربية الغريبة عن الثقافة العربية.
ولكننا نحن ابناء هذا الجيل نعلم انه يوجد بيننا مبدعين قادرين على قلب كفة الميزان لصالح هذه الربابة التي تسمو بالمشاعر تعبيراً وترسخ في وجداننا اصالتنا الفنية.
وكم هو مبدع بدر بن عبدالمحسن في نقشه لقصيدة الربابة تلك القصيدة التجديدية التي تفوح بعبق الماضي الجميل الذي تألقت به الربابة عطفاً على احتوائها التفاصيل الدقيقة لسر روعتها :
يا جاذب القوس
قطعت كل العروق الا وتر
وكل الطعوس الا أثر
وكل الجبال الا حجر
وجرحتني
جر الربابة يا فتى الجود
وبين السبابة والابهام
احبس القلب ثم اطلقه
صوت احسة واعشقه
ثم يسترسل في وصف تفاصيل حنينه لصوتها المسكون بالوجد حتى يصل منتهى الاعجاب :
لا تجذب القوس
لو هالدموع نفوس
تعليقات
إرسال تعليق