التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الانطباع الديني عن الفن

 صوت عبدالكريم يعلو على الموسيقى

 هناك انطباع سائد لدى المجتمع ان الأبداع الفني يتعارض بشكل كامل مع الدين وان الشعر ايضاً وخاصة الغزل ذو الألحان والطواريق يدخل في ذلك والحقيقة ان الدين يتقاطع ويتواصل بناء على المحتوى وان الفن له إضاءاته وظلامياته والدين دائماً يهذب العمل الأبداعي ويسمو به لكي يرتقي بالنفوس .

ففي كل مجال هناك ما يتعارض وهناك ما يتوافق بل ما يؤيده الدين سواء صوتاً او مسرح او سينما بناء على الوسيلة والرسالة لهذة الفنون الأنسانية .

سأكتب عن حكايات وقصص في هذا السياق والأنطباع عنها.

اولها في صغري مع الشاعر الكبير احمد الناصر وهو المعروف بشيلاته وطواريقه ورباعياته ، 

شاهدته لأول مرة وهو خارج من المسجد ثم ركب سيارته وتوقف عند الإشارة الضوئية وحينما اضاءت اللون الأخضر واصل مسيره وقد ترك هذا الموقف انطباعاً ايجابياً عن الشعراء ثم بعد سنين اخترته لأجري معه اول حوار صحافي لي عن مسيرته الأبداعية .

في شبابي كنت من عشاق الصوت الجريح عبدالكريم عبدالقادر اطرب لصوته وانتظر جديده وتأثرت بأغانيه بعد تحرير الكويت مباشرة لما فيها من الثناء والحمد لله حيث طرح اغنيتين من شعر بدر بن عبدالمحسن "احمدك يارب" و باتيمم برملك للصلاة" وقد ظهر ابوخالد ملتحي على غلاف العمل مما اعطى بعداً دينياً وتمنيت حينها لو غناها بلا موسيقى كأبتهال خاصة التي تقول كلماتها :

با تيمم برملك للصلاة * ثم باخط قبلة مسجدي
وألمس بجبهتي طهر الفلاة* واحمد الله ربي سيدي

كان صوته متجلياً  ويحلق بعيداً فوق الموسيقى ويولد الأنسجام والتأثير الفني الرفيع لوحده.


لذلك حينما كلفت في بداية تعاوني الصحفي مع الراحل محمد الكثيري وطلب مني اخبار فنية وكنت في زيارة للكويت توجهت فوراً ابحث عن عبدالكريم عبدالقادر تأثراً بموهبته وبمساعدة احد الأصدقاء طرقنا بلا موعد استوديو المؤسسة الفنية التي ترعاه ولا اخفي سعادتي ودهشتي حينما فتح الباب على صوت عبدالكريم يغني بلا موسيقى وهو يؤدي بروفه لأحد اغانيه حيث كان صوته ملئ السمع والذوق ويستوقف الأصغاء والأنصات، ثم كان استقباله وترحيبه رائع كصوته .

الشاعر الذي خطب في المصلين 

في زمن مضى اقام اهل بلدة الشاعر الكبير محسن الهزاني صلاة استسقاء دون حضوره ومرت الأيام ولم ينزل المطر فقام الشاعر الذي يتغنى اهل الهوى بغزلياته وجمع الأطفال ومن في حكمهم عقلاً وادراكاً واخذهم يصلي بهم في ناحية يستسقون الله المطر فأستهل خطبته بقصيدة:

دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صل * واستقم بالدجى وابتهل ثم قل
يامجيب الدعاء ياعظيم الجلال * يالطيف بنا دائما لم يزل

الى آخرها والتي قيل انه لم يفرغوا من صلاتهم وايديهم مرفوعة حتى انهمر المطر ونزلت رحمة الله وفضله .

واصبحت هذة الحادثة قصة يتناقلها الرواة عبر الأجيال .

والمطر دائماً فيه آيات وعبر ، وكذلك العاصفة الإبداعية كما المطرية تأتي برياح وغبار وعوالق ولكن تجد فيها قطرات ماء نقية وهذة طبيعة الأعمال البشرية .

للأطلاع على تدوينة الفنان حجاب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مارد الإبداع

في غفوة روحية  اطل على مشارف أعماقه وسبر أغوارها البعيدة . وأغراه الفضول على استجلاء غموضها ، فأوغل في النزول وهو يتوجس خيفة مما قد يحتوية قاعها  . ثم استمر في الولوج حذراً حتى قارب على بلوغ قاعها المجوف ، وقبل أن تلامس قدميه ارضيتها القي بنظرة على موضع نزوله فرأى ما طمئنه على صلابة الأرضية . فحط عليها فإذا هي أرض حريرية الملمس . . ثم تساوى قائماً وأرخى أعصابه حتى هدئ زفيره وشهيقه ، وأخذ يتلفت يميناً وشمالاً ليتأكد من خلو المكان من غيره ثم خطى أولى خطواته باتجاهات عشوائية كأنه طفل يتعلم المشي ويحاول ان يكتشف خبايا المكان بسرعة ويعود من حيث أتي ، وبينما هو كذلك إذ لاح له من بعد ضوئاً يتلألأ من ألوان عدة . . فمشي باتجاهه واقترب منه بخطوات مرتجفة فإذا هو قمقم جميل المظهر . . خافي الجوهر فالتقطه فرحاً به  واخذ يملئ النظر به ويتلقفه بين يديه مسروراً كأنه وجد ما يكافئ به همته واستمر في تجواله في دهاليز القاع عله يجد أحس منه أو مثله فلم يجد ما يصرف نظره عنه . . ثم استعد للعودة إلى مكان هبوطه . وقبل أن يعرج عائداً الى عالم اليقظة حدثته نفسه بما في هذا القمقم الجميل . . لابد أنه كنز ثمين ! 

قصص من الصحافة

عنوانها جمال خاشقجي "بيني وبين الصحافة قصص ومواقف لا تنسى نوافذ مفتوحة وأبواب مؤصدة  " اولها مع الشاعر طلال الرشيد صاحب الفواصل الجميلة حينما نشر فريقه الصحفي مقالة لي بذكر أسمي الأول فقط "هزاع" وتبين بعد النشر ان الخطأ حقق إثارة ورغبوا ان استمر به واختلفنا وانصفني يرحمه الله بتنويه باسمي كاملاً بالعدد الذي بعده ثم توقف المسار بعد هذا الأختلاف. وليس آخرها إيميل من رئيس تحرير صحيفة الوطن جمال خاشقجي رداً منه يرحمه الله على موضوع بيننا لم يكتمل ، بعد إطلاعه على نماذج من مقالاتي قائلا؛  اهلاً بك "ربما تكون صحفي اختفى بين اوراق العمل الحكومي" وكنت وقتها مديراً في منطقة عسير  ومنها أكتشفت ان هناك معايير تنبع من رغبات وأنتماءات تشبه المتعارف عليها في الصحافة الرياضية ان الكاتب لابد ان يكون له ميول للنادي المفضل لخط الصحيفة.  ولم تمضي أشهر حتى التحقت بصحيفة شمس كاتباً اسبوعياً وانتقلت عملياً الى منطقة جازان وقد واجهت بعض التحفظات الاجتهادية على ما اكتب من ادارتي التي تكبح احياناً إثارة قلمي غير ان الصحيفة غربت وهي في أوج توهجها. وبقيت كلمة خاشقجي تضغط ع

وداعا حبيبتي كثيرة الكركرة

منذ سنين . .  وأنا أحاول . . وأحاول . . وأحاول إلى أن نجحت في إحدى محاولاتي وتخلصت ممن تعاطيت الحب معها مره عابثاً فأسرتني بحبها حتى أدمنته وجري في عروقي مجرى الدم .  -  بين العقل والقلب خصام دائم ينتهي من حيث يبتدئ ليظل أخيراً كمن يدور في حلقة مفرغة تشكل مداراً لحب أحدهما يرفضه . والآخر يخفق له . والميدان نفس لا تطيق الخصام فكيف بها وقد أصبحت ميداناً له . أما أنا فقد وقفت أمام ما أرى طوال السنين الماضية موقف العاجز عن حسم الخلاف بين عقله وقلبه .  وهكذا يبقى الخصام الذي يصل أحياناً حد التصادم قائماً لا يكل ولا يمل . . ولا يأس معه ولا أمل . وكنت أردد دائماً : أعظم الجهاد جهاد النفس وأعظم الانتصار . . الانتصار عليها . فتحتج النفس وترفع صوتها : ما ذنبي وما خطيئتي إلا يكفيني مصيبة أن كنت ميداناً لمجانينك المتعنترين لا يتنازل احدهما عن الآخر أو ينتصر فأرتاح وإلى متى ؟ أظل على هذا القلق الذي لا يطاق . .  أبعد كل ذلك أجدك تعظم جهادي والانتصار علي ؟  أرد : لا يا نفسي أنا لا أقصدك بذاتك أنا اقصد أولئك الذين أقلقوك . . وأرهقوك ونقلوا همك إلي ولكن في النهاية هم جزء منك ومما تحتوين

ما هذا الحب ؟

الأبل من المخلوقات التي امرنا الله ان نتفكر بها فهي مدهشة من كل ابعاد تكوينها بدناً وشعوراً وتملك جاذبية لا متناهية تحن لصاحبها ولمواطن رعيها وتشتاق وتتألم وتسيل مدامعها ٠ سأروي قصة من مزرعتنا بعد ان استوطنتها أبلنا حيث تغيرت  وبلا مبالغة اصبح فيها حيوية لم نعهدها قبلها . ومن الطرائف ان العمالة اخذوا تدريجياً يهتمون بالأبل على حساب اهمال النخيل ولا حظنا ذلك وحاولنا ان نكافح هذا الأهتمام ونتابع معهم التركيز على مهامهم الزراعية ولكن دون جدوى وحينما نضغط عليهم صاروا يهتمون من الزرع ما فيه فائدة للأبل ! وخلال السنين تغيرت جنسيات العمالة ولم يتغير الميول الطاغي للأبل وكلما جاء عامل جديد حاولنا ان ندمجه في عمله الزراعي ثم سرعان ما يجرفه تيار الأبل كأنه نسناس بارد يتخلخل بين سموم يوم قائض . قبل مغيب كل يوم يروّح الراعي بالأبل فيهب عمالة المزرعة متسابقين على استقبالها وخدمتها في متعة وحبور تاركين اعمالهم الرئيسية  وحينما نعيش اللحظة نعذرهم ونتفاعل معهم معتبرين ذلك مكافأة نهاية عمل اليوم. - سبحان الله ، ما هذا السحر ؟

الواتس قتل شاباً وطلق إمرأة

الواتسآب قتل شاباً وطلق إمرأة لا احب الانضمام كثيراً  الى مجموعات الواتسآب الا ما تقتضيه الضرورة ولكني اقرأ وأسمع عن قصص خلافات يتسببها بين الاشخاص واغلبها بسبب سوء فهم .  لأن الواتس يحمل حواراً كتابياً بطيئاً وجامداً  بدون مشاعر او لغة جسد بما فيها العيون لذلك دائماً يحتاج الى ايضاح وتصحيح او تبرير احياناً او اعتذار ، فضلاً على انه معرض للأخطاء المطبعية القاتلة. وبقدر ما هو نعمة في تيسيره التواصل بين الناس الا انه قد يتحول الى نقمة على المجتمع حينما يصبح مطية سهلة وسريعة لنشر الاكاذيب والاشاعات المحسنة ب "كما وصلني" ولان السبق ميزة اخبارية فقد يتسرع المرسل في نقل المحتوى قبل ان يصل من غيره  دون التحقق من صحته . لذلك فهو من اكثر الوسائل حاجة الى نشر ثقافة الوعي بكيفية التعامل من خلاله وتقنين استخدامه.  فهو مثل الحاجز الزجاجي برشة ماء او بخة عطر تغبش الرؤية وتضطرب المشاعر فتختلف اتجاهات الحوار وتتصادم النفوس او تنكسر الخواطر.   فبسببه ثار مراهق على قريبه وقتله لأنه حذفه من القروب وبسببه ايضاً طلق زوج زوجته على أثر غلطة مطبعية اساءت له امام قروب العائلة ولم ت

الناطق الشعبي .

حوار مع الامثال الشعبية .  المثل الشعبي اصغر ابناء الثقافة العامية والأكثر حضوراً والأقرب نطقاً على ألسنتنا من بقية افراد أسرته العريقة مثل الشعر او القصة او الحكاية فما ان يحاصرك موقف او تريد ان تحاصر موضوعاً او تحتج على أمر او تؤيده إلا وتستنجد به فيلبي نجدتك ويقفز من ذاكرتك على لسانك ناطقاً بكلام مفوّه يختصر عليك حسم القضية التي تشغلك.  وهكذا توارثنا شدّة أثره ورفعة قدرة حتى اصبح عند كثير من الناس من الكلام المسلم به الذي لا يقبل النقاش ولا يجب ان يختلف عليه اثنين وقد دفعني حبي له واعجابي به الى استنطاقه ومحاورته وقد كان لي ما أردت.  فقد كنت اتصفح ذات إطلاع مجلد تراثي يحوى في أعماق اوراقه الصفراء عالم الأمثال الشعبية ففتحته وتجولت به وشممت في داخله رائحة البيوت الطينية ورأيت بيوت الشعر منصوبة على ضفاف رياض الربيع واستمعت إلى أهازيج البحر وحكايات البحارة حيث أن لكل بيئة اجتماعية أمثالها الخاصة . إنه عالم مثير وممتع في آن أرجعني إلى الماضي البعيد بكافة تفاصيله غير أني لاحظت في هذا العالم أمثال بعضها يتعارض مع تعاليم الدين وبعضها تخلف عن الركب فتجاوزه الزمن وثالث كأنه ينطق بلغ

قصة حب بين اللهجة واللغة

اللغة الثالثة  ثمة خط فاصل بين ثقافة البيت ، وتثقيف المدرسة. البيت بثقافتة وآدابه الشعبية والمدرسة بأدبها العربي الفصيح. كأنهما . . جديان متناطحان والتلميذ الذي نشأ في بيئة شعبية ويدرس في مدرسة تقدم الأدب العربي يقف على هذ الخط الذي تتناحر القوتين من أجله. في أحد الصباحات المدرسية الندية سأل المعلم تلامذته الصغار :  من منكم يحفظ أنشودة ؟  فيقفز تلميذ في آخر الفصل ويرفع يده قائلاً :  - أنا . . يا استاذ  الأستاذ : تفضل . التلميذ بنشوة طفولية :  الذيب ما له قذلة هلهليه                يا حظ من له مرقد في حشى الذيب ! تعصف بالفصل موجه ضحك ، ، وتتعالى قهقهات الصغار . . ويحاول المعلم ان يمسك بعنان الحصة قبل أن تفلت من يدة ويأمرهم بالسكوت ، ليسأل التلميذ  - ما معنى هذا البيت ؟  التلاميذ وفي صدورهم يحتبس ما بقي من ضحك :  المعنى في بطن الشاعر . - يجيب التلميذ : هذا البيت يا أستاذ لطفل آخر من توفي من أولاد رجل عاشق  وكان أولاده أشد عشقاً منه ، لدرجة أنهم ماتوا شهداء في بحر الهوى ، فلما ولد له هذا الطفل الشاعر أوصى أمه على أن الا تريه النساء حتى لا يتعلق بهن ويلاق